أميركــا تغتــال بـن لادن بعــد إستغلالــه
د.نسيب حطيط
في أواخر القرن الماضي بعد إحتلال ا لإتحاد السوفياتي لأفغانستان ،حشدت أميركا قواتها المتعددة للدفاع عن مصالحها ، بحجة حماية الشعب الأفغاني ومقاومة التوسع السوفياتي واستخدمت لمشروعها العامل الديني لمواجهة الإلحاد الشيوعي وفق خطابها السياسي لحشد بعض الدول الإسلامية معها ، وأخرجت مصطلح "الجهاد" من خزائن بعض الفقهاء لتجنيد الشباب المسلم للجهاد في أفغانستان بعد تعبئتهم عقائديا وإقناعهم بأن الطريق إلى الجنة تمر بقتال السوفيات، مستغلة العفوية والإخلاص والبساطة في الوعي والدين الفطري للتغرير بهؤلاء الشباب وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتخريب بعد تلقيهم الفتاوى الخاطئة والمضللة من بعض وعاظ السلاطين وفقهاء السلطة، الذين يقبضون رواتبهم وأجورهم وكذلك ألقابهم ومناصبهم من النظام أو العائلات الحاكمه فاستولدت ما عرف( بالأفغان العرب) الذين استقدموا من البلاد العربية خاصة والإسلامية عموما لتحرير أفغانستان من الإحتلال الشيوعي وتم تنصيب أسامة بن لادن على رأس هذه المجموعات نتيجة قابليته وجهوزيته العقائدية لذلك قبل المشروع الأميركي.
وقد تم تمويل هؤلاء المجاهدين من بعض الدول العربية وتدريبهم ومدهم بالسلاح بإشراف المخابرات الأميركية(C.I.A) وبالتعاون مع عدة أجهزة مخابرات خاصة المخابرات الباكستانية وبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وإنسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان برزت مشكلة التخلص من المقاتلين المعروفين بالأفغان العرب، حيث عاد بعضهم إلى بلدانهم وأسس خلايا عسكرية وعقائدية بإسم حركات سلفية أو(دعوية) تعتمد المنهج التكفيري للآخرين عند اختلاف الرأي أو المعتقد أو الفهم الفقهي مع المذاهب الأخرى خاصة وأن هؤلاء الشباب والجماعات قد ابتلوا بقادة محدودي المعرفة وأعطي الواحد منهم لقب (أمير) الجماعة حتى لو كان عدد جماعته أثنان أو ثلاثة واصبح فقيها وعالما بسفك الدماء وفق فتاواه التي لا تستند إلى اي علم أو اجتهاد منطقي أو دليل.
لقد استغلت أميركا تنظيم القاعدة لإظهار الإسلام كفزاعة إرهابية ودين متناقض مع الحضارة والسلام وحولته بواسطة هؤلاء الشباب إلى دين للقتل والذبح والخطف والسيارات المفخخة مما أتاح لأميركا وحلفائها الصهاينة من حصار المسلمين والإسلام في بلاد العالم تحت شعار محاربة الإرهاب، فمنع النقاب للنساء ومنع بناء المآذن في أوروبا وحوصر المسلمون في أعمالهم وإقامتهم وصاروا(كالوباء) الذي يحاذره محيطه ولا يأمن من يخالطه على دمه وأمواله،ولقد كان ملفتا ومثيرا للأسئلة؟
لماذا لم تقم القاعدة وأخواتها بأي عملية عسكرية ضد إسرائيل طيلة أكثر من عشرين عاما؟.
وكأن الجهاد الذي تعتمده القاعدة وأخواتها وفقهاؤها لا يوجه نحو من أحتل فلسطين والأراضي المقدسة بل نحو الأخوة في الدين من بقية المذاهب الإسلامية أو باتجاه المسالمين من المدنيين الأوروبيين وغيرهم .
والملفت أيضا أن تصريحات بن لادن والظواهري وتهديداتهم تأتي في أوقات مدروسة بما يخدم المواقيت والأحداث الأميركية والإنتخابات (الغزو في البلدان الأخرى)ولا تتعداها إلى الفعل الحقيقي المؤذي لأميركا وإسرائيل بل يمكن أن تؤدب حلفائها الأوروبيين في حال تلكؤهم عن الإنجرار مع المشروع الأميركي وحتى بعض الفقهاء قد ساهموا بهذا النهج عندما حرموا التظاهر تأييدا ونصرة لأهل غزة ضد الإحتلال الإسرائيلي واجازوه للتظاهر ضد بعض العرب والمسلمين.
إن إغتيال بن لادن على الأراضي الباكستانية وفي مجمع سكني مع زوجاته وأبنائه يدل على أن أميركا لا تحترم سيادة الدول ولا تفرق بين المناطق المدنية والجبهات العسكرية، فكل من يعادي أميركا،وأنتهت مدة صلاحيته الأمنية والسياسية فهو معرض للقتل من حلفائه الأميركيين لإستغلال قتله كما استغلوا حياته(كما حصل مع صدام حسين) بإحتضانه لمهاجمة إيران وغزو الكويت ، ثم اعتقاله وإعدامه وهذا ماتعرض له بن لادن حيث قتل ولم يعتقل مع امكانية اعتقاله حيا ، حتى لا يكشف أسرار تعاونه مع أميركا ودورها في صناعة القاعدة.
وحتى لا يندفع البعض بإنفعالاته حول(عظمة)هذا الإغتيال على طريقة افلام هوليوود ،فإننا نورد بعض الأسئلة لتوضيح الشبهات المحيطة بالموضوع أصلا.
- من سمح لبن لادن بالسكن في قلب منطقة عسكرية باكستانية ..أليست المخابرات الباكستانية وبموافقة أميركية!!
- ما هو دور المخابرات الباكستانية في إيواء بن لادن ومن ثم المساعدة في إغتياله كخدمة إنتخابية للرئيس أوباما تعويضا عن فشله في العراق وافغانستان والقضية الفلسطينية وغيرها من الملفات الإقتصادية الداخلية ،وإعطاء جرعات معنوية للإدارة الأميركية؟!.
- لماذا لم تعتقل القوة المهاجمة(بن لادن) وقد صرح أحد مسؤولي البناتغون أن هدف العملية قتل بن لادن وليس إعتقاله وذلك لمنع فضح أسرار(بن لادن)وتنظيم القاعدة والدور الأميركي في صناعتها وتمويلها وتضخيمها.
- لماذا لم تحاصر أميركا وباكستان(بن لادن)في منزله وهي التي اعترفت بمعرفتها بوجوده في هذا المنزل منذ آب 2010 ،والأسوأ من ذلك وبعيدا عن الموقف السياسي من بن لادن فهو مسلم وإنسان ،له حقوقه الإنسانية حيا أو ميتا ، فكيف يمكن لأميركا التي تدعي الحضارة أن ترمي جثته في(البحر)ولا تدفنه وفق معتقداته الدينية، حتى ولو كان عدوها؟!.
انها رسالة أميركية إلى كل حلفائها والمخدوعين بها ،بأنها لا تعاملهم معاملة بشرية بل كأدوات أو آليات لتنفيذ مشاريعها وتأمين مصالحها ، وتعاملهم كالخردة او النفايات السامة وتقذفهم في البحر لتأكلهم أسماك القرش ،بعدما فقدوا دورهم وقدموا خدماتهم لأميركا سواء مباشرة أو غير مباشرة، والاهم هل سيستفيق أتباع(بن لادن) وهم يرون قائدهم يمثل في جثته وترمى في البحر ليعودوا إلى رشدهم ويتبعوا البوصلة الصحيحة لمقاتلة اعدائهم والكف عن قتال اخوتهم في الدين ؟